لحق صلاح الدين باﻟﻘﺪﺱ ﻟﻔﺘﺤﻬﺎ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺨﻤﻴﺲ ﻓﻲ 11 ﺭﺟﺐ ﺳﻨﺔ 583 ﻫ، ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻋﻴﻦ ﺳﻠﻮﺍﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ جنده ﻭﺃﻣﺮ جيشه ﺑﻤﺤﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ ﺩﺍﺋﺮﻳﺔ، ﻭصلوا ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻭﺯﺣﻔﻮﺍ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺼﻼﺓ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﻮﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻟﺤﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ الجيش ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ، ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻋﻦ 1400 عسكري، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺒﺎﻗﻮﻥ كاﻧﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺍﻷﻫﺎﻟﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺧﺒﺮﺓ لهم ﻭﻛﺎﻥ ﺑﺎﻟﻴﺎﻥ ﺑﻦ ﺑﺎﺭﺯﺍﻥ ﻓﺎﺭﺱ ﻣﻦ ﻓﺮﺳﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﻧﺠﺔ العظماء ﻳﺴﻜﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻭﻳﺘﻮﻟﻰ ﺷﺆﻭﻧﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺃﻥ ﻏﺎﺩﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﻠﻚ ڭي ، ﻭﻛﺎﻥ ﺑﺎﻟﻴﺎﻥ ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﻣﻠﺔ، ﻭﻗﺎﺩ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﺍﻧﻀﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﺎمسة، ﻭﻛﺎﻥ ذكيا ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ الحروب ﻭﺗﻮﺟﻴﻪ الجيش ﺃﻣﺎﻡ ﻗﻮﺍﺕ الأيوبي ، ﻭﻛﺎﻥ ﺧﻮﻓﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻛﻞ ﻣﺴﻴﺤﻴﻲ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻋﻨﺪ ﺩﺧﻮﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ استعمروها ﻗﺒﻞ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ مئة عام، فأمر ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ بالدفاع عنها ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺮﻣﻖ ﺍﻷﺧﻴﺮ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺳﻞ ﻟﻪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ الأيوبي ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻳﻄﻠﺐ ﺍﻷﻣﺎﻥ لكن استكبر، و ﺃﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻟﻤﺪﺓ نصف شهر .
ﻭﺍﺟﺘﻤﻊ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﺳﺘﻴﻦ ألفا ﺑﻴﻦ فرسان ﻭﺭجال , ﺑﻞ ﺇﻥ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻗﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﺍﻟﺰﺍﺣﻒ , ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ ﻗﺘﻞ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻣﺮﺍﺀ ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ .
ﻭﻗﺪ ﻭﺻﻞ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ الأيوبي ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ( 15 ﻣﻦ ﺭﺟﺐ ﻋﺎﻡ 583 ﻫـ ) و اتخذ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﺳﻮﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ , ﻭﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﻣﻬﺎﺟﻤﺘﻬﺎ ﻟﻜﻨﻪ جوب ﺑﺎﺳﺘﺤﻜﺎﻣﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﺘﻴﻨﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﻋﻴﻮﻥ جيوشه ﻓﺤﺠﺒﺖ ﻋﻨﻬﻢ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ ﺣﺘﻰ منتصف النهار ؛ ﻟﺬﻟﻚ دار ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻠﺠﻴﺶ ﺃﻥ ﻳﻌﺴﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻲ أمام ﺍﻟﻌﻤﻮﺩ ﻭﻛﻨﻴﺴﺔ ﺻﻬﻴﻮﻥ , ﺣﻴﺚ ﺍﻷﺳﻮﺍﺭ ﺃﻗﻞ قوة و متانة, ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻓﻲ 20 ﻣﻦ ﺭﺟﺐ، ﻭ بالليل ﺑﺪﺃ بنصب ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻖ.
ﻭﺗﺮﺍﺷﻖ ﺍﻟﻄﺮﻓﺎﻥ بالقدائف، ﻭﻗﺎﺗﻞ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ بحمية ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻳﺮﻯ ﺫﻟﻚ دينا ﻋﻠﻴﻪ و ﻭاجبا ﻓﻼ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﻋﺚ ﺳﻠﻄﺎﻧﻲ .
ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ , ﻭﺷﻌﺮﻭﺍ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺃﺷﺮﻓﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻼﻙ اﺗﻔﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺐ ﺍﻷﻣﺎﻥ. ﻓﺄﺭﺳﻠﻮﺍ ﻭفدا ﺇﻟﻰ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ، ﻭﺍﺷﺘﺮﻃﻮﺍ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ من ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ, ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﻟﻤﻦ ﻳﺸﺎﺀ ﺑﻤﻐﺎﺩﺭﺗﻬﺎ أن يغادر، ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ ﻟﺼﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ قبل, ﻟﻜﻨﻪ ﺭﻓﺾ ﻗﺒﻮﻟﻬﺎ، ﻷﻧﻪ ﺃﻭﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ عنوة , ﻭﻗﺎﻝ : ﻻ ﺃﻓﻌﻞ ﺑﻜﻢ ﺇﻻ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺘﻢ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﺣﻴﻦ ﻣﻠﻜﺘﻤﻮﻩ ﻭﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ .
ﻭﺍﺯﺩﺍﺩ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ سوءا , ﻭﺭﺍﺣﻮﺍ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺑﻘﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﻢ , ﻭﻟﻢ ﻳﺴﻌﻬﻢ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﺍ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻗﻨﺎﻉ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﻬﻢ , ﻭﻟﻜﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻗﺴﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺑﺤﺪ ﺍﻟﺴﻴﻒ، ﻭﻟﻦ ﻳﺤﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺴﻤﻪ ﺳﻮﻯ ﺇﺫﻋﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﻗﻴﺪ ﺃﻭ ﺷﺮﻁ.
ﻓﻲ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﻹﺳﺮﺍﺀ ﺗﻢ ﺍﻟﻔﺘﺢ: ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﺸﺎﺭ ﻣﺠﻠﺲ ﺣﺮﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ , ﺗﻘﺮﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﻟﻠﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﺑﻤﻐﺎﺩﺭﺓ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻋﺸﺮ ﺩﻧﺎﻧﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻐﻨﻲ ﻭﺍﻟﻔﻘﻴﺮ, ﻭﺧﻤﺴﺔ ﺩﻧﺎﻧﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ, ﻭﺩﻳﻨﺎﺭﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﻔﻞ, ﻭﻣﻦ يبق ﻓﻴﻬﺎ يقع ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺮ، ﻭﺍﺷﺘﺮﻁ ﺃﻥ يدفع ﺍﻟﻤﻔﺮﻭض ﻓﻲ ﻣﺪﻯ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮما, ﻭﻣﻦ ﻟﻢ يؤدي ﻓﺪﺍءَﻩ ﺧﻼﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺪﺓ يصير عبدا مملوكا , ﻟﻜﻦ ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻧﺤﻮ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﻓﻘﻴﺮ، ﻓﻮﺍﻓﻖ ﺻﻼﺡُ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻴﺎﻥ مبلغا ﺇﺟﻤﺎﻟﻴﺎ ﻗﺪﺭﻩ ﺛﻼﺛﻮﻥ ﺃﻟﻒ ﺩﻳﻨﺎﺭ ﻋﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔَ عشرَ ﺃﻟﻔًﺎ ﻣﻨﻬﻢ.
ﺍﺳﺘﺸﺎﺭ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻭﻗﺒﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺩﻓﻊ ﻓﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻘﺪﺍﺭﻫﺎ ﻋﺸﺮﺓ ﺩﻧﺎﻧﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺭﺟﻞ ﻭﺧﻤﺴﻪ ﺩﻧﺎﻧﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﺩﻳﻨﺎﺭﻳﻦ ﻋﻦ ﻛﻞ طفل ﻭﻛﻞ طفلة ﻟﻢ يبلغا ﺳﻦ النضج، ﻓﻤﻦ ﺃﺩﻯ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻬﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ يوما ﺻﺎﺭ ﺣﺮﺍ. ﺛﻢ ﺳﻤﺢ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ الأيوبي المسلم ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺇﻧﻘﻀﺖ ﺍﻟﻤﻬﻠﺔ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﺪﻓﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﻐﺎﺩﺭﺓ ﺩﻭﻥ ﻓﺪﻳﺔ، ﺩخل ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﻳﻮﻡ 27 ﺭﺟﺐ ﺳﻨﺔ 583 ﻫـ، ﻭﺳﻤﺢ سمح ﻟﻠﻴﻬﻮﺩ ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺩﻓﻊ ﺳﻜﺎﻥ ﻋﺴﻘﻼﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻻﺳﺘﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﻘﺪﺱ. ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺘﺮﻣﻴﻢ ﺍﻟﻤﺤﺮﺍﺏ ﺍﻟﻌﻤﺮﻱ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭﺣﻤﻞ ﻣﻨﺒﺮ ﻣﻠﻴﺢ ﻣﻦ ﺣﻠﺐ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺑﻦ ﺯﻧﻜﻲ ﻗﺪ ﺃﻣﺮ ﺑﺼﻨﻌﻪ ﻟﻴﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻷﻗﺼﻰ ﻣﺘﻰ تم فتح ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﻓﺄﻣﺮ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﻠﺐ ﻭجعله ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻷﻗﺼﻰ، ﻭﺃﺯﻳﻞ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ كالصليب الذي ﺭﻓﻌﻪ ﺍﻹﻓﺮﻧﺞ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، وغسلت ﺍﻟﺼﺨﺮﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﻌﺪﺓ ﺃﺣﻤﺎﻝ ﻣﺎﺀ ﻭﺭﺩ ﻭﺑُﺨّﺮﺕ ﻭﻓﺮﺷﺖ ﻭﺭﺗﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻮﻇﺎﺋﻔﻪ ﻭﺟُﻌﻠﺖ ﺑﻪ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻟﻠﻔﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ، ﺛﻢ ﺃﻋﺎﺩ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﻗﺮﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺮﺩ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻧﺞ جزية .
ﻭﻗﺪ ﺍﺑﺘﻬﺞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺍﺑﺘﻬﺎﺟﺎ ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﺑﻌﻮﺩﺓ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺣﻀﺮ ﻧﺎﺱ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻟﻴﺴﻠﻤﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺑﺪﺭ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻣﻔﺮﺝ ﺍﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ، ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ،
ﻭﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻣﻦ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺇﻃﻼﻕ ﺳﺮﺍﺡ ﺃﻟﻒ ﺃﺳﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺄﺓ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﻟﻪ ﻣﻈﻬﺮًﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺴﺎﻣﺤًﺎ ﻛﺒﻴﺮًﺍ، ﻓﻮﻫﺒﻬﻢ ﻟﻪ، ﻭﺇﺫ ﺍﺑﺘﻬﺞ ﺍﻟﺒﻄﺮﻳﺮﻙ ﻟﺬﻟﻚ، ﻟﻢ ﻳﺴﻌﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻳﻬﺒﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻟﻴﻄﻠﻖ ﺳﺮﺍﺣﻬﻢ، ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺏ ﻟﻄﻠﺒﻪ، ﺛﻢ ﺃﻋﻠﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﻄﻠﻖ ﺳﺮﺍﺡ ﻛﻞ ﺷﻴﺦ،ﻭﻛﻞ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻋﺠﻮﺯ، ﻛﻤﺎ ﺫﻫﺐ ﺑﻌﻴﺪًﺍ ﺣﻴﻦ ﻭﻋﺪ ﻧﺴﺎﺀ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﺑﺄﻥ ﻳﻄﻠﻖ ﺳﺮﺍﺡ ﻛُﻞ من ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺮ ﻣﻦ ﺃﺯﻭﺍﺟﻬﻦ، ﻭﻣﻨﺢ ﺍﻷﺭﺍﻣﻞ ﻭﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻣﻦ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ حسب ﺣﺎﻟﺘﻪ،
ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﻋﻄﻒ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺳﻤﺎﺣﺘﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻴﺾ ﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻤﻠﺔ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻣﺜﺎﻻً ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﻣﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻔﻮ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﻘﻮﺓ عمن ﺃﺳﺎﺀ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﻞ ﻭﻳﺤﺴﻦ ﺇﻟﻴﻪ.
ﺟﺎﻫﺪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻻ ﺑﺎﺣﺜﺎ ﻋﻦ ﻣﺎﻝ ﺃﻭ ﺷﻬﺮﺓ ﻭﻭﺍﻓﺘﻪ ﺍﻟﻤﻨﻴﺔ ﺑﻌﺪ ستّ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻭﺍﻧﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺮﺿﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺩّﻯ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﺣﺎﻛﻤﺎً ﻋﺎﺩﻻًً . ﻭﺗﺮﻙ ﺩﻭﻟﺔً ﺗﻤﺘﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺟﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﺑﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﺑﺮﻗﺔ ﻭﺩﻓﻦ ﺑﺪﻣﺸﻖ ﻓﻲ ( ﻣﺎﺭﺱ 1192 ) ﻭﻭﺟﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ ﺩﻳﻨﺎﺭﺍ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻭﺳﺒﻌﺔ ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺩﺭﻫﻤﺎ، ﻷﻧّﻪ ﻓﻲ ﺻﺒﺎﻩ ﺳﻤﻊ ﻋﻦ ﺧﻄﺒﺔ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺣﺬّﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻓﺮُﻭِﻱَ ﺃﻧّﻪ ﻗﺎﻝ : ( ﻣﺎ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻥْ ﺗﺒﺴﻂ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻤﺎ ﺑﺴﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻓﺘﻨﺎﻓﺴﻮﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺎﻓﺴﻮﻫﺎ ﻭﺗﻬﻠﻜﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺃﻫﻠﻜﺘﻬﻢ )
ﺭﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﻌﻴﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻨﺰﻳﻒ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺠﺮﻱ ﺑﺄﺭﺽ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻭﺍستعمرها "بني صهيون" ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺧﺮﺍﺑﺎ ﻣﻨﺬ 1948 ﻭﻋﺎﺩ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻭﺇﺭﺍﻗﺔ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺄﺭﺽ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ.
ﻭﺍﺟﺘﻤﻊ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﺳﺘﻴﻦ ألفا ﺑﻴﻦ فرسان ﻭﺭجال , ﺑﻞ ﺇﻥ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻗﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﺍﻟﺰﺍﺣﻒ , ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ ﻗﺘﻞ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻣﺮﺍﺀ ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ .
ﻭﻗﺪ ﻭﺻﻞ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ الأيوبي ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ( 15 ﻣﻦ ﺭﺟﺐ ﻋﺎﻡ 583 ﻫـ ) و اتخذ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﺳﻮﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ , ﻭﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﻣﻬﺎﺟﻤﺘﻬﺎ ﻟﻜﻨﻪ جوب ﺑﺎﺳﺘﺤﻜﺎﻣﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﺘﻴﻨﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﻋﻴﻮﻥ جيوشه ﻓﺤﺠﺒﺖ ﻋﻨﻬﻢ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ ﺣﺘﻰ منتصف النهار ؛ ﻟﺬﻟﻚ دار ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻠﺠﻴﺶ ﺃﻥ ﻳﻌﺴﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻲ أمام ﺍﻟﻌﻤﻮﺩ ﻭﻛﻨﻴﺴﺔ ﺻﻬﻴﻮﻥ , ﺣﻴﺚ ﺍﻷﺳﻮﺍﺭ ﺃﻗﻞ قوة و متانة, ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻓﻲ 20 ﻣﻦ ﺭﺟﺐ، ﻭ بالليل ﺑﺪﺃ بنصب ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻖ.
ﻭﺗﺮﺍﺷﻖ ﺍﻟﻄﺮﻓﺎﻥ بالقدائف، ﻭﻗﺎﺗﻞ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ بحمية ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻳﺮﻯ ﺫﻟﻚ دينا ﻋﻠﻴﻪ و ﻭاجبا ﻓﻼ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﻋﺚ ﺳﻠﻄﺎﻧﻲ .
ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ , ﻭﺷﻌﺮﻭﺍ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺃﺷﺮﻓﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻼﻙ اﺗﻔﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺐ ﺍﻷﻣﺎﻥ. ﻓﺄﺭﺳﻠﻮﺍ ﻭفدا ﺇﻟﻰ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ، ﻭﺍﺷﺘﺮﻃﻮﺍ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ من ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ, ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﻟﻤﻦ ﻳﺸﺎﺀ ﺑﻤﻐﺎﺩﺭﺗﻬﺎ أن يغادر، ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ ﻟﺼﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ قبل, ﻟﻜﻨﻪ ﺭﻓﺾ ﻗﺒﻮﻟﻬﺎ، ﻷﻧﻪ ﺃﻭﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ عنوة , ﻭﻗﺎﻝ : ﻻ ﺃﻓﻌﻞ ﺑﻜﻢ ﺇﻻ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺘﻢ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﺣﻴﻦ ﻣﻠﻜﺘﻤﻮﻩ ﻭﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ .
ﻭﺍﺯﺩﺍﺩ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ سوءا , ﻭﺭﺍﺣﻮﺍ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺑﻘﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﻢ , ﻭﻟﻢ ﻳﺴﻌﻬﻢ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﺍ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻗﻨﺎﻉ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﻬﻢ , ﻭﻟﻜﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻗﺴﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺑﺤﺪ ﺍﻟﺴﻴﻒ، ﻭﻟﻦ ﻳﺤﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺴﻤﻪ ﺳﻮﻯ ﺇﺫﻋﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﻗﻴﺪ ﺃﻭ ﺷﺮﻁ.
ﻓﻲ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﻹﺳﺮﺍﺀ ﺗﻢ ﺍﻟﻔﺘﺢ: ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﺸﺎﺭ ﻣﺠﻠﺲ ﺣﺮﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ , ﺗﻘﺮﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﻟﻠﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﺑﻤﻐﺎﺩﺭﺓ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻋﺸﺮ ﺩﻧﺎﻧﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻐﻨﻲ ﻭﺍﻟﻔﻘﻴﺮ, ﻭﺧﻤﺴﺔ ﺩﻧﺎﻧﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ, ﻭﺩﻳﻨﺎﺭﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﻔﻞ, ﻭﻣﻦ يبق ﻓﻴﻬﺎ يقع ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺮ، ﻭﺍﺷﺘﺮﻁ ﺃﻥ يدفع ﺍﻟﻤﻔﺮﻭض ﻓﻲ ﻣﺪﻯ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮما, ﻭﻣﻦ ﻟﻢ يؤدي ﻓﺪﺍءَﻩ ﺧﻼﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺪﺓ يصير عبدا مملوكا , ﻟﻜﻦ ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻧﺤﻮ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﻓﻘﻴﺮ، ﻓﻮﺍﻓﻖ ﺻﻼﺡُ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻴﺎﻥ مبلغا ﺇﺟﻤﺎﻟﻴﺎ ﻗﺪﺭﻩ ﺛﻼﺛﻮﻥ ﺃﻟﻒ ﺩﻳﻨﺎﺭ ﻋﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔَ عشرَ ﺃﻟﻔًﺎ ﻣﻨﻬﻢ.
ﺍﺳﺘﺸﺎﺭ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻭﻗﺒﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺩﻓﻊ ﻓﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻘﺪﺍﺭﻫﺎ ﻋﺸﺮﺓ ﺩﻧﺎﻧﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺭﺟﻞ ﻭﺧﻤﺴﻪ ﺩﻧﺎﻧﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﺩﻳﻨﺎﺭﻳﻦ ﻋﻦ ﻛﻞ طفل ﻭﻛﻞ طفلة ﻟﻢ يبلغا ﺳﻦ النضج، ﻓﻤﻦ ﺃﺩﻯ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻬﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ يوما ﺻﺎﺭ ﺣﺮﺍ. ﺛﻢ ﺳﻤﺢ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ الأيوبي المسلم ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺇﻧﻘﻀﺖ ﺍﻟﻤﻬﻠﺔ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﺪﻓﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﻐﺎﺩﺭﺓ ﺩﻭﻥ ﻓﺪﻳﺔ، ﺩخل ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﻳﻮﻡ 27 ﺭﺟﺐ ﺳﻨﺔ 583 ﻫـ، ﻭﺳﻤﺢ سمح ﻟﻠﻴﻬﻮﺩ ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺩﻓﻊ ﺳﻜﺎﻥ ﻋﺴﻘﻼﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻻﺳﺘﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﻘﺪﺱ. ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺘﺮﻣﻴﻢ ﺍﻟﻤﺤﺮﺍﺏ ﺍﻟﻌﻤﺮﻱ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭﺣﻤﻞ ﻣﻨﺒﺮ ﻣﻠﻴﺢ ﻣﻦ ﺣﻠﺐ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺑﻦ ﺯﻧﻜﻲ ﻗﺪ ﺃﻣﺮ ﺑﺼﻨﻌﻪ ﻟﻴﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻷﻗﺼﻰ ﻣﺘﻰ تم فتح ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﻓﺄﻣﺮ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﻠﺐ ﻭجعله ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻷﻗﺼﻰ، ﻭﺃﺯﻳﻞ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ كالصليب الذي ﺭﻓﻌﻪ ﺍﻹﻓﺮﻧﺞ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، وغسلت ﺍﻟﺼﺨﺮﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﻌﺪﺓ ﺃﺣﻤﺎﻝ ﻣﺎﺀ ﻭﺭﺩ ﻭﺑُﺨّﺮﺕ ﻭﻓﺮﺷﺖ ﻭﺭﺗﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻮﻇﺎﺋﻔﻪ ﻭﺟُﻌﻠﺖ ﺑﻪ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻟﻠﻔﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ، ﺛﻢ ﺃﻋﺎﺩ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻭﻗﺮﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺮﺩ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻧﺞ جزية .
ﻭﻗﺪ ﺍﺑﺘﻬﺞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺍﺑﺘﻬﺎﺟﺎ ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﺑﻌﻮﺩﺓ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺣﻀﺮ ﻧﺎﺱ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻟﻴﺴﻠﻤﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺑﺪﺭ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻣﻔﺮﺝ ﺍﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ، ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ،
ﻭﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻣﻦ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺇﻃﻼﻕ ﺳﺮﺍﺡ ﺃﻟﻒ ﺃﺳﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺄﺓ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﻟﻪ ﻣﻈﻬﺮًﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺴﺎﻣﺤًﺎ ﻛﺒﻴﺮًﺍ، ﻓﻮﻫﺒﻬﻢ ﻟﻪ، ﻭﺇﺫ ﺍﺑﺘﻬﺞ ﺍﻟﺒﻄﺮﻳﺮﻙ ﻟﺬﻟﻚ، ﻟﻢ ﻳﺴﻌﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻳﻬﺒﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻟﻴﻄﻠﻖ ﺳﺮﺍﺣﻬﻢ، ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺏ ﻟﻄﻠﺒﻪ، ﺛﻢ ﺃﻋﻠﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﻄﻠﻖ ﺳﺮﺍﺡ ﻛﻞ ﺷﻴﺦ،ﻭﻛﻞ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻋﺠﻮﺯ، ﻛﻤﺎ ﺫﻫﺐ ﺑﻌﻴﺪًﺍ ﺣﻴﻦ ﻭﻋﺪ ﻧﺴﺎﺀ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﺑﺄﻥ ﻳﻄﻠﻖ ﺳﺮﺍﺡ ﻛُﻞ من ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺮ ﻣﻦ ﺃﺯﻭﺍﺟﻬﻦ، ﻭﻣﻨﺢ ﺍﻷﺭﺍﻣﻞ ﻭﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻣﻦ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ حسب ﺣﺎﻟﺘﻪ،
ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﻋﻄﻒ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺳﻤﺎﺣﺘﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻴﺾ ﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻤﻠﺔ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻣﺜﺎﻻً ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﻣﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻔﻮ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﻘﻮﺓ عمن ﺃﺳﺎﺀ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﻞ ﻭﻳﺤﺴﻦ ﺇﻟﻴﻪ.
ﺟﺎﻫﺪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻻ ﺑﺎﺣﺜﺎ ﻋﻦ ﻣﺎﻝ ﺃﻭ ﺷﻬﺮﺓ ﻭﻭﺍﻓﺘﻪ ﺍﻟﻤﻨﻴﺔ ﺑﻌﺪ ستّ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻭﺍﻧﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺮﺿﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺩّﻯ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﺣﺎﻛﻤﺎً ﻋﺎﺩﻻًً . ﻭﺗﺮﻙ ﺩﻭﻟﺔً ﺗﻤﺘﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺟﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﺑﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﺑﺮﻗﺔ ﻭﺩﻓﻦ ﺑﺪﻣﺸﻖ ﻓﻲ ( ﻣﺎﺭﺱ 1192 ) ﻭﻭﺟﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ ﺩﻳﻨﺎﺭﺍ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻭﺳﺒﻌﺔ ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺩﺭﻫﻤﺎ، ﻷﻧّﻪ ﻓﻲ ﺻﺒﺎﻩ ﺳﻤﻊ ﻋﻦ ﺧﻄﺒﺔ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺣﺬّﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻓﺮُﻭِﻱَ ﺃﻧّﻪ ﻗﺎﻝ : ( ﻣﺎ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻥْ ﺗﺒﺴﻂ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻤﺎ ﺑﺴﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻓﺘﻨﺎﻓﺴﻮﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺎﻓﺴﻮﻫﺎ ﻭﺗﻬﻠﻜﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺃﻫﻠﻜﺘﻬﻢ )
ﺭﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ. ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﻌﻴﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻨﺰﻳﻒ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺠﺮﻱ ﺑﺄﺭﺽ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻭﺍستعمرها "بني صهيون" ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺧﺮﺍﺑﺎ ﻣﻨﺬ 1948 ﻭﻋﺎﺩ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻭﺇﺭﺍﻗﺔ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺄﺭﺽ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق